"طوبى للأنقياء القلب لأنهم يُعاينون الله"
[image]
"طوبى للأنقياء القلب لأنهم يُعاينون الله"
مقدمة
تتميّز هذه الآية بشيء من الغموض والسرية أكبر من التطويبات الأخرى، وذلك لأنها تبدو في تناقضًا مع قول الرب لموسى: "لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خر 33: 20). وايضاً في إنجيل يوحنا مكتوب "الله لم يَرَه أحدٌ قط" (يو 1: 18). "الله لم ينظره أحدٌ قط. إن أحب بعضنا بعضاً، فالله يثبت فينا، ومحبته قد تكمَّلت فينا" (1يو 4: 12). والرسول بولس يقول: "الذي وحده له عدم الموت، ساكناً في نور لا يُدنَى منه، الذي لم يَرَه أحدٌ من الناس ولا يقدر أن يراه" (1تي 6: 16).
ويعتبرها بعض المفسرون أنها واحدة من أكثر الآيات غموضًا في الكتاب المقدس. يتنبأ الرب يسوع أن "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يُعاينون الله". لكن كيف يمكن لأحد أن يرى الله؟ الله غير مرئي وغير محدود. كيف يمكن لأحد أن يراه؟ فكيف يمكننا أن نفهم "... لأنهم يُعاينون الله"؟
هناك عدد من التفسيرات لهذه الآية. بعض الناس يعتقدون أنها تشير إلى رؤية الله في الحياة الآخرة. يعتقدون أن أولئك الذين هم أنقياء القلب سيتمكنون من رؤية الله وجهًا لوجه في الجنة.
يعتقد البعض الآخر أن هذه الآية تشير إلى رؤية الله في الحياة الحالية. يعتقدون أن أولئك الذين هم أنقياء القلب يمكنهم أن يروا الله من خلال خلقه. يمكنهم أن يروا جمال الطبيعة وحكمة النظام الكوني. يمكنهم أن يروا محبة الله في رعاية الخلق.
هناك أيضًا من يعتقد أن هذه الآية تشير إلى رؤية الله في شخص يسوع المسيح. يعتقدون أن يسوع هو الصورة الكاملة لله. عندما نرى يسوع، نرى الله. ومع ذلك، يعارض المعنى الثاني بعض الآيات التي تشير إلى رؤية الله في الحياة الآخرة. على سبيل المثال، يقول الرسول يوحنا: "ونحن الآن أولاد الله، ولم يتم الكشف بعد عن ما سنكون عليه. ولكننا نعلم أنه إذا تم الكشف عنا، سنصبح مثله، لأننا سنراه كما هو" (1 يوحنا 3: 2). وفي العهد القديم، نجد أمثلة على أولئك الذين رأوا الله في شكل ما، فقد قال النبي إشعياء: "ويل لي! لأنني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين... لأن عينيَّ رأت ملك رب الجنود" (إشعياء 6: 5). ويبدو أن هذه الظهورات تفسر عادة بأن الله يكشف ذاته بشكل ملموس وملحوظ، ولكنه يخفي جوهره الحقيقي الذي لا يمكن تصوره أو إدراكه بالحواس أو حتى بالتصوُّر الذهني. يمكننا أن نفسر من خلال هذا المفهوم كيف كان الله يتصارع مع يعقوب (تكوين 32)، ومن ثم يدعو يعقوب اسم المكان "فنيئيل"، وهو يعني "وجه الله"، ويقول: "لأني رأيت وجه الله ونجوت نفسي" (تكوين 32: 30). ومع ذلك، ليس واضحًا ما إذا كان يعقوب يتصارع مع الله نفسه أم مع ملاك. هناك أيضًا مثال آخر، عندما رأى منوح وزوجته ملاك الرب وقال: "سنموت بالتأكيد، لأننا قد رأينا الله" (قضاة 13: 22). هذه المواضع تعكس حقيقة أن الله يكشف نفسه لبعض الأفراد بشكل ملموس، ورؤيته تعتبر تجربة خاصة ومميزة. ومع ذلك، يبقى الله غير قابل للتصور الكامل أو الإدراك بوساطة الحواس البشرية. يتجاوز جوهره الحقيقي قدرة العقل البشري والتصوُّر الذهني.
أي تفسير نختاره، فإن الآية واضحة: أولئك الذين هم أنقياء القلب سيتمكنون من رؤية الله بطريقة ما. إنهم سيتمكنون من إدراك جلالته وعظمته. إنهم سيتمكنون من تجربة محبته ورحمته.
إذا أردنا أن نرى الله، يجب أن نكون أنقياء القلب. يجب أن نتخلى عن الخطيئة والغضب والحقد والحسد. يجب أن نكون محبين ورحيمين ودودين ومخلصين. عندما تكون قلوبنا نقية، يمكننا أن نرى الله بشكل ما.
