متعة في إطار المسؤولية
يُواجهنا داود، نبي الله وملك بني إسرائيل، كمثال صارخ على كيفية تراكم الخطايا وتدحرجها ككرة ثلج. فلم يكتفِ بانتهاك وصية واحدة، بل سقط في فخ الخطايا المتتالية، بدءًا من الشهوة وصولًا إلى القتل.
[image]
إهمال المسؤولية، انشغل داود عن واجبه كملك، تاركًا شعبه في خضم المعارك دون قائد. بينما كان جيشه يُقاتل، اختار داود النوم في قصره حتى منتصف النهار، مُهملاً واجباته ومسؤولياته.وهذا سمح لإبليس أن يعرض عليه افكار ليسلي وقته. ولكي يوقعه في الشهوة والزنا ونجح في ذلك لأن داود تجاهل داود الوصية الصريحة "لا تشتهِ امرأةَ قريبِكَ" عندما وقع نظره على بثشبع، زوجة أوريا الحثي. سيطرت الرغبة المحمومة على داود، فأعمت بصيرته وأفقدته القدرة على التفكير المنطقي. تجاهل تحذيرات عبيده، ولم تُثنه أخبار الحرب، ولا موقف أوريا الشريف، عن تحقيق رغباته.
تحولت الشهوة إلى زنا، وفُتِح الباب أمام سلسلة من الخطايا اللاحقة. أولها انتهاك حقوق الغير والقتل، لم يكتفِ داود بانتهاك وصايا الله، بل تعدى على حقوق أوريا الحثي، ليس فقط في زوجته، بل في حياته أيضًا. لقد حرم أوريا من حقه في الحياة، مُضاعفًا خطيئته. لم يقف طموح داود عند الزنا، بل سعى للتخلص من أوريا، زوج بثشبع، ليتمكن من الزواج منها دون رادع. خطط داود لإرسال أوريا إلى معركة قاتلة، ليُقتل ويصبح الطريق ممهدًا لزواجه من بثشبع.
يُقدم لنا داود درسًا قاسيًا عن مخاطر الانزلاق في الخطايا. فالله يُريد لنا السعادة والمتعة، لكنه لا يُريد لها أن تُبعدنا عنه أو تُسقطنا في بركة الشر.
في المقابل، يُقدم لنا موسى مثالًا يُحتذى به في التضحية والتمسك بالقيم. ففضل أن يُذل مع شعبه على أن يتمتع بلذائذ زائفة مع فرعون. آمن موسى بمكافأة عظيمة في الآخرة، فقاوم إغراءات الدنيا وضحى بمتعته المؤقتة. «بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ» (عبرانيين١١: ٢٤-٢٦).
يا صديقي، علينا إذَا أن نلتفت إلى متعتنا ونختبرها في ضوء المعايير المذكورة. فالله يريد متعتنا، لكنه لا يريد لها أن تطوَّح بنا بعيدًا عنه ولا أن تسقطنا في شرور لا قِبَلَ لنا بها.
فالسعادة الحقيقية تكمن في الالتزام بوصايا الله واحترام حقوق الغير، دون السقوط في فخاخ الخطايا المتراكمة. وهنيئًا لمن كان هذا مبدأه.
