خلقنا بالنعمة
بدأنا أول أمس نتكلم عن النعمة وبدأنا أمس نتكلم عن بعض النعم التي ينعم بها الله علينا وذكرنا أول هذه النعم وهي الحياة (الخلق)
وسوف نكمل اليوم كلامنا عن نعمة أخرى من النعم التي ينعم بها الله علينا.
وهي نعمة خلقنا على صورته " نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك 1: 26) وأعطانا حياة من روحه
[image]
والمقصود بذلك اننا نحن البشر صورة حيّة تعبّر عن من هو الله. وهذا معناه أننا مساعدين لله، فالله مازال يعمل في الخليقة ويهتم بها من خلالنا. وهذا معناه ايضاً اننا منتسبين لله، لذلك علينا أن نظل دائماً ملتصقين ومرتبطين بالله ابونا الصالح. ولا بد ان ندرك اننا عندما نبعد ونشرد عن الله نفقد القدرة على رؤية هدف وجودنا على الأرض.
عندما نعود إلى قصة خلق الإنسان نرى أن الله نفخ فيه نسمة حياة أي أننا حصلنا على روح من الروح الحيّة لله:
"وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً." (تك 2: 7).
عندما منحنا الله من روحه أصبحنا كائنات لديها مسئولية وتملك حرية الإرادة في التفكير والعمل.
ورغم ان الله اعطانا روحاً حية من روحه فنحن مجرد صورة لله. ولن نرتقي في يوم من الايام ان نصبح مثل الله. فلا يوجد أي مقارنة بين الخالق والمخلوق، ولو أدركنا أن الله هو مركز الخليقة ومحورها وليس البشر، لأدركنا نحن البشر مكاننا الحقيقي والصحيح في ترتيبه الإلهي للأمور. أما الذين ينكرون أن الله هو اصلنا واصل كل شيء وينكرون وجود الله وتأثيره في حياتهم، هؤلاء مع الوقت يضيعون في فراغ عميق. وهؤلاء مع الوقت يقعون في فخ تأليه الذات، وعندما يدرك فساد الذات يقوده هذا إلى احتقار الذات واحتقار لقيمة الآخرين.
لقد خلق الله الإنسان على صورته العقلية والأدبية والروحية، كشبهه في الخلود والقدرة على التفكير والسلطة
أوضح " مولتمان " Moltmann معنى خلق الإنسان على صورة الله فقال " باعتبار الإنسان صورة الله وشبهه على الأرض، فقد دخل الإنسان في ثلاث علاقات أساسية: فهو يسيطر على المخلوقات الأرضية الأخرى، باعتباره ممثلًا لله وفاعلًا ذلك باسمه، وهو نظير الله على الأرض، الذي يريد الله أن يتكلم معه، والمفروض أن يستجيب له، كما إنه مظهر بهاء الله ومجده على الأرض"
يورغن مولتمان هو عالم لاهوت ألماني مُصلح وأستاذ فخري في علم اللاهوت النظامي في جامعة توبنجن ، وهو معروف بكتاباته مثل لاهوت الأمل والله المصلوب والإله في الخليقة وغيرها من المساهمات في اللاهوت النظامي.
