السلام في العهد القديم
[image]
السلام في العهد القديم
إذا أردنا فهم معنى السلام في المفهوم المسيحي، يجب أن نبدأ بالتتبع في أسفار العهد القديم. في اللغة العبرية، كلمة "سلام" تُترجم بـ"شالوم" ولها معانٍ واستخدامات متعددة. يرتبط معناها في الغالب بالحياة الدنيا، وفي السياق المدني، يشير إلى عدم وجود العداوة. وتم ذكرها في سياقات مختلفة ولأغراض متنوعة، ومنها:
1- تحية بين الأصدقاء: على سبيل المثال، في سفر التكوين، قال يوسف لإخوته عندما جاءوا إليه في مصر لشراء القمح: "سلامٌ لكم، لا تخافوا..." (تك 43: 23). وسألهم عن سلامة أبيهم قائلاً: "أسالمٌ أبوكم الشيخ الذي قلتم عنه؟ أحيٌّ هو بعد؟" (تك 43: 27). وأيضًا في سفر القضاة، عندما التقى رجل شيخ من سبط بنيامين بلاوي المسافر في مدينتهم، دعاه ليبيت عنده قائلاً: "السلام لك. إنما كل احتياجك عليَّ" (قض 19: 20). وعندما ظهر ملاك الرب لجدعون، قال له: "السلام لك، لا تخف، لا تموت" (قض 6: 23). يُظهر هذه الأمثلة أن استخدام "سلام" هنا يكون كتحية للتأكد من سلامة الشخص وسعادته وأمانه.
2- نعمة وعطية وهبة من الله لشعبه: كوعد الرب لشعبه إذا سلكوا في فرائضه وحفظوا وصاياه وعملوا بها في الأرض التي وعدهم الرب بأن يرثوها. يقول الرب: "أجعل سلاماً في الأرض، فتنامون وليس مَن يزعجكم، وأُبيد الوحوش الرديئة من الأرض، ولا يَعْبُر سيف في أرضكم، وتطردون أعداءكم فيسقطون أمامكم بالسيف" (لا 26: 7، 6). وكذلك في سفر العدد، كانت بركة الكهنة للشعب تتضمن: "يُبَارِكُكَ الرَّبُّ وَيَحْرُسُكَ. يُضِيءُ الرَّبُّ بِوَجْهِهِ عَلَيْكَ وَيَرْحَمُكَ. يَرْفَعُ الرَّبُّ وَجْهَهُ عَلَيْكَ وَيَمْنَحُكَ سَلاَمًا." (عد 6: 24-26). وأيضًا في سفر الأمثال يقول: "إذا أرضت الرب طُرق إنسان، جعل أعداءه يُسالمونه" (أم 17: 7). وفي سفر إشعياء، يتنبأ عن السلام الذي سوف يمنحه الرب لشعبه في آخر الأيام قائلاً: "سلامٌ سلامٌ للبعيد وللقريب، قال الرب وسأشفيه" (إش 57: 19). ويقول أيضًا: "هأنذا أُدير عليها سلامًا كنهرٍ، ومجد الأُمم كسيلٍ جارفٍ؛ فترضعون، وعلى الأيدي تُحملون، وعلى الركبتين تُدلَّلون" (إش 66: 12).
3- السلام الداخلي (سلام القلب) موجود في العديد من الآيات، ومن هذه الايات "لأني أسمع ما يتكلَّم به الله الرب، لأنه يتكلَّم بالسلام لشعبه ولأتقيائه" (مزمور 85: 8). "بسلامة أضطجع بل أيضاً أنام، لأنك أنت يا رب قد أسكنتني على الرجاء" (مزمور 4: 8 سبعينية). "فليكن سلامٌ عظيم للذين يحبون اسمك وليس لهم شك" (مزمور 119: 165 سبعينية). "يا ابني لا تنسى شريعتي، بل ليحفظ قلبك وصاياي. فإنها تزيدك طول أيام وسني حياة وسلامة... (الحكمة) طرقها طُرق نِعَم، وكل مسلكها سلام" (أمثال 3: 17،2). "كان عهدي معه (مع لاوي) للحياة والسلام، أعطيته إيَّاهما للتقوى فاتَّقاني، ومن اسمي ارتاع هو... سلك معي في السلام والاستقامة، وأرجع كثيرين عن الإثم" (ملاخي 2: 5).
4- الكتاب المقدس يشهد عن المسيح بأنه إله السلام وواهب السلام، وهذا مذكور في العديد من الآيات، "لأنه يولد لنا ولد ونُعطَى ابناً... ويُدعى اسمه: عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية" (إشعياء 9: 7،6). "فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي والعجل، والشبل والمُسمَّن معاً، وصبي صغير يسوقها" (إشعياء 11: 6). "فيقضي بين الأمم وينصف لشعوب كثيرين، فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل. لا ترفع أُمة على أُمة سيفاً، ولا يتعلَّمون الحرب في ما بعد" (إشعياء 2: 4). "وأقطع معهم عهد سلام، فيكون معهم عهداً أبدياً" (حزقيال 37: 26). "وتسير أُمم كثيرة ويقولون: هَلُمَّ نصعد إلى جبل الرب وإلى بيت إله يعقوب، فيُعلِّمنا من طرقه ونسلك في سُبله، لأنه منصهيون تخرج الشريعة، ومن أورشليم كلمة الرب. فيقضي بين شعوب كثيرين ويُنصف لأُمم قوية بعيدة، فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل. لا ترفع أُمة على أُمة سيفاً، ولا يتعلَّمون الحرب فيما بعد. بل يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته، ولا يكون مَن يُرعب، لأن فم رب الجنود تكلَّم" (ميخا 4: 2-4). "ويتكلَّم بالسلام للأمم، وسلطانه من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض" (زكريا 9: 10).
وهكذا يتضح أن السلام في العهد القديم يعني الأمان والسعادة في الحياة اليومية، وعيش الإنسان في توازن مع الطبيعة ونفسه والآخرين، وفي تواصل وثيق مع الله. كان السلام أيضًا بركة من الله وهبة لأولئك الذين يحافظون على عهده ووصاياه. وظل السلام نعمة مرجوة ينتظرها جميع الذين كانوا ينتظرون مجيء المسيا، ليكون فداءً لإسرائيل وخلاصًا لجميع شعوب الأرض.
